الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالُواْ} أي الأتباعُ عند سماعِهم ما قيل في حقِّهم، ووجه خطابهم للرُّؤساءِ في قولهم {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} الخ على الوجهينِ الأخيرينِ ظاهرٌ، وأمَّا على الوجهِ الأوَّلِ فلعلَّهم إنَّما خاطبُوهم مع أنَّ الظَّاهرَ أنْ يقولُوا بطريقِ الاعتذارِ إلى الخَزَنةِ بل هُم لا مرحبًا بهم الخ قَصْدًا منهم إلى إظهارِ صدقِهم بالمُخاطبةِ مع الرُّؤساءِ والتَّحاكمِ إلى الخَزَنةِ طمعًا في قضائِهم بتخفيفِ عذابِهم أو تضعيفِ عذابِ خُصَمائهم أي بل أنتم أحقُّ بما قيلَ لنا أو قلتُم. وقولُه تعالى: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} تعليلٌ لأحقِّيتهم بذلك أي أنتمُ قدَّمتم العذابَ أو الصِّلِيَّ لنا وأوقعتُمونا فيه بتقديمِ ما يُؤدِّي إليه من العقائدِ الزَّائغةِ والأعمالِ السَّيئةِ وتزيينها في أَعُيننا وإغرائِنا عليها لا أنَّها باشرنَاها من تلقاءِ أنفسنا {فَبِئْسَ القرار} أي فبئسَ المقرُّ جهنَّم قصدُوا بذمِّها تغليظَ جنايةِ الرُّؤساءِ عليهم {قَالُواْ} أي الأتباعُ أيضًا وتوسيطُه بين كلاميهم لما بينهُما من التَّباينِ البيِّنِ ذاتًا وخِطِابًا أي قالُوا مُعرضين عن خصومتِهم متضرِّعين إلى الله تعالى: {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا في النار} كقولِهم {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النار} أي عذابًا مُضاعفًا أي ذا ضعفٍ وذلك بأنْ يزيدَ عليه مثلَه ويكون ضعفينِ كقوله: {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} وقيل: المرادُ بالضِّعفِ الحيَّاتُ والأَفَاعي.{وَقَالُواْ} أي الطَّاغُون {مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الاشرار} يعنون فقراءَ المُسلمينَ الذين كانُوا يسترذلونَهم ويسخرُون منهم {أتخذناهم سِخْرِيًّا} بهمزةِ استفهامٍ سقطتْ لأجلها همزةُ الوصل. والجملةُ استئنافٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ قالُوه إنكارًا على أنفسِهم وتأنيبًا لها في الاستسخارِ منهم {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار} متَّصلٌ باتَّخذناهم على أنَّ أم متَّصلة والمعنى أيَّ الأمرينِ فعلنَا بهم الاستسخارُ منهم أم الازدراءُ بهم وتحقيرُهم، وإنَّ أبصارَنا كانت تزيغُ عنهم وتقتحمُهم على معنى إنكارِ كلِّ واحدٍ من الفعلينِ على أنفسهم توبيخًا لها أو على أنَّها منقطعةٌ والمعنى أتخذناهم سخريًا بل أزاغتْ عنهم أبصارُنا كقولك أزيدٌ عندك أم عندَك عمروٌ على معنى توبيخِ أنفسِهم على الاستسخارِ ثمَّ الإضرابُ والانتقالُ منه إلى التَّوبيخِ على الازدراءِ والتَّحقيرِ. وقُرئ اتَّخذناهم بغير همزةٍ على أنَّه صفةٌ أخرى لرجالًا فقوله تعالى {أمْ زاغتْ} متَّصلٌ بقوله ما لنا لا نَرى والمعنى ما لنا لا نراهُم في النار أليسوا فيها فكذلك لا نراهم أم زاغتْ عنهم أبصارُنا وهم فيها وقد جُوِّز أنْ تكونَ الهمزةُ مقدَّرةٌ على هذه القراءةِ وقُرئ سُخريا بضمِّ السَّينِ.{إِنَّ ذلك} أي الذي حُكي من أحوالِهم {لَحَقُّ} لابد من وقوعةِ البتةَ. وقوله تعالى: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملةُ بيانٌ لذلك وفي الإبهامِ أوَّلًا والتَّبيينِ ثانيًا مزيدُ تقريرٍ له. وقيل: بدلٌ من محلِّ ذلك. وقيل بدلٌ من حقٌّ أو عطفُ بيانٍ له. وقُرئ بالنَّصبِ على أنَّه بدلٌ من ذلكَ وما قيل: من أنَّه صفةٌ له فقد قيل عليه: إنَّ اسمَ الإشارةِ لا يُوصف إلا بالمعرَّفِ باللامِ يقال بهذا الرَّجلَ ولا يقال بهذا غلامِ الرَّجلِ. اهـ.
|